
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:
"ليعلم يهود أن في ديننا فسحة"
من الخطأ الواضح ومن الفكر المغلوط أن يفهم كثير من الملتزمين بدين الله العظيم أن المزاح والدعابة والضحك تتنافى مع الالتزام والتمسك بتعاليم الإسلام.
لدرجة أن أحدهم يطبق ذلك المبدأ في كل مكان حل فيه أو ارتحل سواء في عمله وسط زملاءه.. أو في بيته وسط أهله وأبناءه .
ويصبح السمت العام لصاحبنا هذا الجد والصرامة في كل شيء.. مع مسحة حزن لا تفارق وجهه أبدا ً.. وبجوارها تقطيبة جبين لا تنفك عنه أبدا .. ويصبح صاحبنا ممنوع الاقتراب منه أو التصوير.
ولكن دين الإسلام العظيم يختلف عن ذلك اختلافا ً كبيرا ً.. وقد صحت الأحاديث أن هدى الإسلام يختلف عن طبع صاحبنا هذا الذي كادت الأرض تتفلق من شدة تكشيرته المؤلمة.
وتعالوا بنا لنعرف الحقيقة من منبعها الصافي من هدى الضحوك القتال.. البشير النذير (صلى الله عليه وسلم)
خرج الإمام أحمد عن عائشة قالت :" كانت الحبشة يلعبون يوم عيد .. فدعاني رسول الله فكنت أطلع بين عاتقه فأنظر إليه.. فجاء أبو بكر .. فقال النبي :
"دعها ؛ فان لكل قوم عيدا ً.. وهذا عيدنا"
وخرج عن عائشة أن النبي قال يومئذ :
"ليعلم يهود أن في ديننا فسحة.. أني أرسلت بحنيفية سمحة" .
ونكمل الحديث عن صاحبنا
الكبار يحذرون التعامل معه تجنبا ًَ للمشاكل وإيثارا ً للسلامة .. وعدم المغامرة بخوض تجربة مغلقة لا يعرفون لها سبيلا .. وعدم الولوج في بيت لا يدرون أين مفتاحه.. إذ لا قبل لهم به.. فلم يحدث أن فتح لهم هذا الباب من قبل.
أما الأطفال فيهابون هذا الإنسان الذي لا تزوره الابتسامة إلا حينا من الدهر .. ويرون في محاولة المزاح معه ضربا ً من التهور والجنون ولا تحمد عواقبه.
أما الأهل في البيت فبمجرد سماع نحنحته وهو يطرق الباب.. فيلجأ كل فأر منهم في جحره .. وتنطلق المرأة إلى مطبخها .. ويهرول الأولاد إلى مكان نومهم.. وكل إنسان يلزم حدوده.. بلا مزاح.. بلا مياصة.. أو دلع فاضي من وجهة نظره.
ولقد ساقني قدري إلى مجاورة أحد هؤلاء وأخذت أجاذبه أطراف الحديث وأتلطف له في القول وأجره إلى بعض الطرف والابتسامات .. ولكن صاحبي يأبى حتى التبسم حتى ممللت الحديث معه.. وأصبح الحديث معه مثل الطعام بدون ملح .. أو القهوة بدون حبة سكر .
ولكنني تعمدت أن ألقى على مسامعه نكتة ظريفة خالية من الكذب أو الابتذال وأطلقت معها ضحكة تناسبها ..وجعلت أنظر إلى وجهه خلسة لأرى هل شاركني الضحك .. أم أنني أجدف في المركب بمفردي.
ويا ويحى إذ انطلقت منه نظرة قاسية رمقنى بها .. كأنني أجرمت في حقه وحق كل العالمين.. وقال كلمة مزجها بكل معاني السخرية والاستهزاء :
"يا أخي أتضحك والأقصى أسير"
ولحظتها فرملت عن الضحك مثل عربة مسرعة ظهر أمامها شخص فجأة .. ولم أدر ما أقول.. لقد ألقى صاحبي في وجهي كلمة ألجمتني إلجاما ً.
وحقيقة امتزجت لحظتها مشاعري ووقعت في حيرة شديدة .. الرجل صادق في قوله لا ينبغي أن نضحك والأقصى أسير .. فهذه مقولة صلاح الدين التي طبقها في حياته ولم يضحك حتى حرر الأقصى من يد الصليبين.
ولكن قلت في نفسي هذا صلاح الدين وسط جيشه وجنوده وفى قلب المعركة إن فعل هذا.. فهو الأسد المغوار.. ولكن ما شأن حديث جانبي أداعب فيه صاحبي.
ما شأن ابتسامة أروح بها عن نفسي وعن صديقي.. ثم إنني لو أعلم أن ابتسامتي أوضحكتى هذه ستأخر تحرير الأقصى والله ما ضحكت أبدا ً.
ثم إنني أعلم علم اليقين أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد مازح أصحابه ومازحوه .. وابتسم لهم وابتسموا له .. وضحك لهم حتى بدت نواجذه (صلى الله عليه وسلم).
فكان عليه السلام في أكثر أحواله يتبسم.. وكان أيضا ً يضحك في أحوال أخر ضحكا ًأعلى من التبسم وأقل من الاستغراق الذي تبدو فيه اللهوات والنواجز
فلماذا يتهمني صاحبي هذا أنني غير مبال بقضايا الأمة بمجرد الضحك أو التبسم.. أليس هذا خلطا ً للأمور وجورا ً على تعاليم الإسلام وسماحته وعظمته في التعامل مع كبار الأمور وصغارها.
ألم يكن ضحك النبي (صلى الله عليه وسلم) كافيا ً ليخرجه من حزنه وكآبته.
وليعلم أنه لا تعارض بين التبسم والفرح وبين الاهتمام بقضايانا وأمورنا العظام
وعلى العكس من ذلك.. فلربما ضحكة أو ابتسامة كافية لفتح الطريق أمام طفل صغير يأتي إلى المسجد.. وينضج رويدا رويدا حتى يكون تحرير الأقصى على يديه.
ومن يدرى لعل تكشيرة صاحبنا هذا صدت عن سبيل الله كثيرا ً وطردت شبابا وشيبا عن السير في طريق الله.
ألم يفقد صاحبنا هذا حب زوجه المحاصرة بالتكشير.
بل فقد حب أطفاله الذين نالوا الحظ الوافر من عبارات الزجر والتعنيف .
ونالني أنا أيضا ً ما نالني من السخرية والاستهزاء بمجرد ضحكة أطلقتها لم أبغ بها إلا إخراجه من مصيدة الحزن والتعاسة التي كادت أن تهلكه.
وأستأذن حضراتكم في التجول في حديقة السنة النبوية المطهرة .. لنقتطف بعض الضحكات الجميلة والابتسامات الحلوة العذبة التي كانت تنساب من بين شفتي النبي (صلى الله عليه وسلم) عذبة رقراقة تسر السامعين وتعجب الناظرين
ابتسامة نبوية:-
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت:
" قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة رضي الله عنها تلعب بهن
فقال (صلى الله عليه وسلم) ما هذا يا عائشة؟
قالت رضي الله عنها بناتي.. ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع
فقال (صلى الله عليه وسلم) ما هذا الذي أرى وسطهن .
قالت رضي الله عنها فرس
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما هذا الذي عليه
قالت رضي الله عنها جناحان
قال (صلى الله عليه وسلم) عليه وسلم فرس له جناحان .
قالت رضي الله عنها أما سمعت أن سليمان عليه الصلاة والسلام كانت له خيل لها أجنحة.
قالت رضي الله عنها فضحك (صلى الله عليه وسلم) حتى رأيت نواجذه (صلى الله عليه وسلم)
ابتسامة نبوية:-
عن عدى بن حاتم رضي الله عنه قال : لما نزل قول الله تعالى (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) سورة البقرة.
فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء .. فضحك رسول الله حتى رئي نواجذه.. ثم قال ألم أقل لك من الفجر إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل.
ابتسامة نبوية:-
روى جماعة من الأئمة منهم بن ماجة والنسائي عن بن عباس أن رجلا ً ظاهر من امرأته فغشيها قبل أن يكفّر فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك .. فقال يا رسول الله رأيت بياض خلخالها في ضوء القمر.. فلم أملك نفسي أن وقعت عليها فضحك النبي (صلى الله عليه وسلم) وأمره ألا يقربها حتى يكفّر.
ابتسامة نبوية:-
عن جابر قال جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع قال: فضحك النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس .
ابتسامة نبوية:-
عن صهيب قال أتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) وبين يديه تمر يأكل فقال أصب من هذا الطعام فجعلت آكل من التمر فقال: تأكل من التمر وأنت رمد.. فقلت إنما أمضغ من الجانب الآخر فضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
ابتسامة نبوية:-
عن عروة عن عائشة قالت جاءت امرأة رفاعة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - فقالت إن رفاعة طلقني فأبت طلاقي وإني تزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وما معه إلا مثل هدبة الثوب .. فضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة , لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته
هذه بعض الابتسامات النبوية التي تفتح لنا الباب واسعا لرسم الابتسامة على وجوه الناس عامة وعلى وجوه إخواننا وأهلينا خاصة.
نسأل المولى العلى الكريم أن يسعد قلوبنا وقلوب المسلمين أجمعين وأن يبصرنا بأمور ديننا الحنيف وأن نفهمه كما فهمه الصحب الكرام وعلماء الأمة الثقات فهما عدلا ً وسطا ً بلا إفراط أو تفريط
آمين آمين
والحمد لله رب العالمين
بقلم/ سيد على الطماوي
لمتابعة صفحتي علي الفيس
اضغك الصورة
للإشتراك بقناتي
اضغط الصوره